
أثارت تصريحات بسام أبو شريف الى "الغد" التي توقف فيها عند أبرز المحطات التاريخية في مسار الصراع
العربي- ألصهيوني آراء متباينة، حيال مسار أمتد لنحو ستين عاماً ولن تخلو عملية مراجعة وإعادة قراءة لتلك الفترة من تمايزات في وجهات النظر، تصل حدّ الاختلاف الحدي فيما بين طرفين كل منهما ينظر الى تلك الحقبة الطويلة من منظوره الخاص وكان من بين تلك الآراء ما أوضحته السيدة هيلدا حبش، زوجة الزعيم المؤسس للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الراحل جورج حبش، وذلك بتوقفها عند بعض الأحداث التي شهدتها وعايشتها عن قرب، واطلعت على مفاصلها وتبعاتها، فكان ردها كالتالي
تقول السيدة حبش: في هذا الزمن الرديء، وفي ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني، تعلو الأصوات النشاز بعد رحيل العظام لتتناول مراحل تاريخية من عمر هؤلاء الكبار الذين نحتوا في الصخر ليؤسسوا بنياناً صلباً وصرحاً تعتز به الأجيال
إن منظمة التحرير الفلسطينية ليست من صنع فصيل من دون آخر، بل جاءت نتيجة نضال تراكمي قدم فيه شعبنا آلاف الشهداء الذين كانوا بمثابة الوقود الذي أشعل الثورة، إلى جانب آلاف الأسرى والمعتقلين الذين يقبعون وراء القبضان في سجون العدو، وكذلك عدد كبير من القادة والمقاتلين الذين كرسوا عمرهم وتفانوا في سبيل الدفاع عن انجازات الثورة والحفاظ على مكتسباتها
إن منظمة التحرير الفلسطينية ليست من صنع فصيل من دون آخر، بل جاءت نتيجة نضال تراكمي قدم فيه شعبنا آلاف الشهداء الذين كانوا بمثابة الوقود الذي أشعل الثورة، إلى جانب آلاف الأسرى والمعتقلين الذين يقبعون وراء القبضان في سجون العدو، وكذلك عدد كبير من القادة والمقاتلين الذين كرسوا عمرهم وتفانوا في سبيل الدفاع عن انجازات الثورة والحفاظ على مكتسباتها
وعند الإعلان عن تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام ١٩٦٤، كانت حركة القوميين العرب على رأس المؤسسين والمشاركين بقوة، وكان الدكتور المناضل أسامة النقيب، أول من مثل الحركة في اللجنة التنفيذية للمنظمة، واستمرت العلاقة حتى تأسيس الجبهة الشعبية، وكانت المنبر الذي تطرح من خلاله الجبهة مواقفها السياسية بقوة وتدعو إلى الوحدة الوطنية رغم الخلافات المتباينة في وجهات النظر، والمواقف المعارضة لكل نهج التسوية والتفاوض مع العدو( الإسرائيلي)، وكثيراً ما دفعت الجبهة الشعبية ثمن مواقفها المبدئية المتشددة في وجه التيار المعتدل داخل منظمة التحرير الفلسطينية
أنا لست بصدد محاسبة وتقييم مسيرة بسام أبو شريف السياسية، بعدما انجرف وانحرف يميناً ويساراً، ولكني أقول له أن النقد اللاذع لمسيرة الحكيم وخطه السياسي وأين أخطأ وأين أصاب، هذه مهمة الجماهير الفلسطينية التي وهبها الحكيم عمره وأغلى ما عنده، ومن حق الجماهير تقييم ومحاسبة القيادات، والكل يعرف كيف كان التقييم عند سماع خبر وفاة الحكيم
كان الحكيم يكتب التقارير السياسية لمؤتمرات الجبهة الشعبية بعرقه ودمه وعصارة فكره، وبعد مناقشتها وإقرارها من قبل القيادة والقاعدة وتصبح دستوراً يتقيد به الجميع سواء التقرير السياسي والتنظيمي أو مهمات المرحلة، وقد شكلت التقارير والوثائق التي كتبها الحكيم المنارة التي يهتدي إليها المناضلون في الجبهة الشعبية
عندما تبنى الحكيم الماركسية كفكر ونهج وأسلوب عمل في ممارسة الحياة الحزبية، جاء ذلك بعد تفكير عميق ودراسة دقيقة لتجارب الشعوب الحية وقراءات لأهم المفكرين اليساريين والفلاسفة، ولم يأت من فراغ، بل جاء بعد تجارب نضالية طويلة حسم بعدها الحكيم الأمور لمصلحة الشعب ضد الصراع الطبقي والاستغلال وعدم المساواة، وطالب بتطبيق العدالة الاجتماعية بين الشعوب ورفع الظلم عن شعبنا، واعتبر أن الفقراء والمسحوقين هم المادة الأساسية للثورة، وأن الطبقة البرجوازية الفقيرة هي حليف استراتيجي في مرحلة التحرر الوطني
كنت أتمنى، قالت هيلدا حبش، على بسام أبو شريف أن يحافظ على رصيده النضالي بعدما ترك الجبهة الشعبية، هذا الرصيد الذي دفع ثمنه غالياً. كنت في ذلك الوقت أعتبره من خيرة الرفاق الأعزاء، لكنه مع الأسف وقع في فخ الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أبو عمار وارتمى في أحضان السلطة، وأوكلت إليه مهمة الاتصالات السرية مع (الإسرائيليين) وراهن على الحلول الاستسلامية على حساب الشعب والمصلحة الوطنية، وكنت أتمنى عليه أن يبقى موجوداً على الساحة الفلسطينية كشخصية وطنية مستقلة لها اعتبارها ومكانتها ووزنها التاريخي
والآن بعدما نعت الجبهة الشعبية بالتكلس، فإنني أتساءل، هل حقق اتفاق أوسلو الأمن والاستقرار والسيادة على الأرض، وهل استطاع أن يحقن دماء الشعب الفلسطيني وأن يوقف قوافل الشهداء، وهل أعاد للشعب الفلسطيني كرامته وأرضه المسلوبة، وهل أصبح العلم الفلسطيني المرفوع فوق المقاطعة، كما يحلو له أن يصفها، بديلاً عن القدس والدولة وحق العودة؟. وماذا عن الزحف الاستيطاني وابتلاع الأرض، وجدار الفصل العنصري الذي جزأ العائلة الواحدة وحول الضفة الغربية إلى كانتونات، هذا كله كان الثمن الذي دفعه شعبنا نتيجة أخطاء القيادة الفلسطينية ووقوعها في مستنقع أوسلو
وهنا أريد التأكيد على المسائل الآتية
وهنا أريد التأكيد على المسائل الآتية
إن هناك مؤسساً واحداً للجبهة الشعبية ومؤسساً واحداً لحركة القوميين العرب هو الدكتور جورج حبش، وكانت نواة التأسيس مكونة من مجموعة من الشباب القومي العربي من مختلف البلدان العربية، وعند الإعلان عن تأسيس الجبهة الشعبية لم يكن بسام أبو شريف من بين أعضاء اللجنة المركزية التي تشكلت منها الجبهة الشعبية، وهنا أسأل كيف من الممكن أن يكون أبو شريف أحد مؤسسي الجبهة عام ١٩٦٧، وكيف تعرف على الحكيم في عام ١٩٦٤ وهو طالب جامعي
- إن عملية خطف الحكيم في وضح النهار من السجن في سورية أواخر عام ١٩٦٨ خطط لها الدكتور وديع حداد بدقة وسرية تامة، تمت في وضح النهار ونفذها بنجاح مجموعة من الشباب الأشداء. ويقول أبوشريف في حواره إن التحقيق كان يتم مع الحكيم، بعدما تم اعتقاله في دمشق، في مركز المخابرات السورية خارج السجن مرة كل أسبوع وإن التحقيق تحول في المدة الأخيرة إلى حوار مع رئيس المخابرات عبد الكريم الجندي، ولكنني أؤكد بأنه لم يدر أي نوع من الحوار بين الحكيم وبين سجانيه، وعندما سأل بعض الصحافيين الجندي حول توقيت الإفراج عن الدكتور حبش، كان جوابه "لو نزلت السما على الأرض لن يخرج الحكيم من السجن"، وكان هذا الرد القاطع عنوان الصحف اللبنانية في اليوم التالي
لقد أعتقل الحكيم في أسوأ ظروف في سجن الشيخ حسين، وتعرض لتعذيب نفسي كان عبد الكريم الجندي يستهدف من ورائه تحطيم معنويات الحكيم، لكنه لم ينجح في ذلك. لقد أعتقل الحكيم في زنزانة ضيقة جداً وقذرة وتفتقر لأدنى الشروط الإنسانية، ومنعوا عنه في الأشهر الأولى الكتب والزيارات وأبسط حقوق السجين في استنشاق الهواء الطلق في باحة السجن، وبعد بضعة شهور سمحوا له بالقراءة ثم سمحوا لأهله بزيارته، وهنا تم نقله من السجن إلى مركز المخابرات العامة، مما سهل عملية الخطف، وكانت الخطة تتضمن طلب زيارة ثانية على أساس عائلي، لكن بعض الرفيقات المناضلات في الجبهة الشعبية تظاهرن على أنهن من قريباته، ونجحن في مقابلته والتحدث معه في شؤون عائلية، وفي طريق عودته إلى السجن هاجم عدد من شباب الجبهة بملابس الجيش السوري سيارة الحراسة التي كانت تقل الحكيم، وتمت عملية الخطف بشكل سريع ومحترف وعند اجتيازهم الحدود السورية اللبنانية عبر الجبل أطلقوا سراح الحراس
وقد عاد وهدد عبد الكريم الجندي بإعادة خطف الحكيم من لبنان مهما كلف الثمن، من هنا جاءت الزيارة إلى القاهرة بالترتيب مع القيادة المصرية لأسباب أمنية عبر السفارة في بيروت، وكنت أنا وابنتانا ميساء ولمى مع الحكيم لقضاء إجازة قصيرة ليعود بعدها إلى الأردن، وكان بسام أبو شريف في وداعنا في المطار. وبعد عملية الاختطاف وإصابة الجندي بخيبة أمل وبفشل ذريع، تم الإعلان عن انتحاره، هذا ما لا يذكره بسام أبو شريف
لقد ظلت علاقة الحكيم بالرئيس عبد الناصر متينة، وأن هزيمة عام ١٩٦٧ كانت صدمة لكل القوى الوطنية والقومية، وأن عبد الناصر نفسه قدم استقالته أمام الشعب، لكن الشعب المصري والعربي نزل إلى الشوارع وطالب الرئيس بالعودة عن قراره. كيف يتحدث بسام أبو شريف عن سوء العلاقة مع الرئيس عبد الناصر وفي نفس الوقت يذكر عن زيارة الحكيم لمصر بعد اختطافه، ويقول إن عبد الناصر أرسل له طائرة خاصة وكان هذا في نهاية ١٩٦٨ومكثنا نحن في القاهرة سنة كاملة كان الحكيم يتردد لزيارتنا قادماً من الأردن، وفي كل مرة كان يحصل اللقاء مع الرئيس، واستمرت العلاقات حتى عودتنا إلى عمان في منتصف عام ١٩٦٩، كانت العلاقة ودية طبيعية على قاعدة أن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية
لماذا لم يذكر بسام أبو شريف حادثة خطف طائرة "الميدل إيست" اللبنانية، التي قامت بتنفيذها (إسرائيل) وأن الحكيم وصل إلى المطار وكان من المفترض أن يستقل الطائرة لتلبية دعوة رسمية إلى العراق، لكنه في اللحظات الأخيرة ولأسباب أمنية لم يستقل الطائرة
لماذا لم يذكر بسام أبو شريف حادثة خطف طائرة "الميدل إيست" اللبنانية، التي قامت بتنفيذها (إسرائيل) وأن الحكيم وصل إلى المطار وكان من المفترض أن يستقل الطائرة لتلبية دعوة رسمية إلى العراق، لكنه في اللحظات الأخيرة ولأسباب أمنية لم يستقل الطائرة
وفشلت (إسرائيل) في إلقاء القبض عليه. لماذا لم يذكر بسام هذا الحادث المدوي ولماذا لم يذكر أن الجاسوس وليد قدورة هو من بلغ الموساد بأن الحكيم على متن الطائرة، وأن ذكره على أنه عميل للمكتب الثاني اللبناني بينما هو عميل( إسرائيلي) أيضاً، تم اعتقاله وحكم عليه بالإعدام، والآن بعد ٣٧ عاماً على الحادث أسأل لماذا لم ينفذ به حكم الإعدام؟، هناك من إستطاع تهريبه من السجن في خضم الحرب الأهلية. يذكر أنه كان معتقلاً في سجون أحد التنظيمات الفلسطينية وليس لدى الجبهة الشعبية
حاول بسام أن يدق الإسفين بين الحكيم والدكتور وديع، لكن قدسية العلاقة التاريخية التي كانت تربط بين الرجلين أقوى من أن يؤثر عليها مثل هذا الدس. وأن عمليات خطف الطائرات قامت بقرار مركزي من قيادة الجبهة الشعبية وأن الدكتور وديع كان يخطط لها وينفذها بدقة بالتنسيق مع الحكيم. لكن نقطة الخلاف الوحيدة كانت عندما اتخذت الجبهة قراراً في عام ١٩٧٢ بوقف تلك العمليات، استمر الدكتور وديع على مسؤوليته الشخصية وكانت آخر عملية في مطار عنتيبي استشهد فيها عدد من خيرة المناضلين وتألم الحكيم عند سماعه النبأ. لكن العلاقات الشخصية لم تتأثر بالدكتور وديع، وكان آخر لقاء للحكيم مع الدكتور وديع في بيته في بغداد، وقد كنت برفقة الحكيم قبل شهرين من اغتيال الدكتور حداد، الذي كان يتمتع حينها بصحة جيدة جداً
أما لماذا لم نسيطر على قيادة المنظمة رغم أننا كنا القوة الأولى في ذلك الوقت، هذا يعود إلى مواقفنا السياسية المبدئية الثابتة والمتشددة، وموقف بعض الأنظمة العربية منا كتنظيم معارض يرفض المهادنة مع العدو الصهيوني ويرفع شعاراته المعروفة باللاءات الثلاثة: لا تفاوض ولا صلح ولا اعتراف بالعدو المحتل لأرضنا
أما لماذا لم نسيطر على قيادة المنظمة رغم أننا كنا القوة الأولى في ذلك الوقت، هذا يعود إلى مواقفنا السياسية المبدئية الثابتة والمتشددة، وموقف بعض الأنظمة العربية منا كتنظيم معارض يرفض المهادنة مع العدو الصهيوني ويرفع شعاراته المعروفة باللاءات الثلاثة: لا تفاوض ولا صلح ولا اعتراف بالعدو المحتل لأرضنا
No comments:
Post a Comment