لماذا يقوم الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش حالياً بجولته في الشرق الأوسط؟
الجواب الذي يتبادر إلى أي مُراقب عربي بسيط هو: كي يثبت أنّه الفاشل الأكبر في رئاسته أعظم قوّة في العالم. ليس بين العرب من لا يدرك أنه عاجز سلفاً عن تحقيق شيء من ممّا يدعو إليه تحت عنوان: مشروع التفاوض بين “الإسرائيلي” والفلسطيني توصّلاً إلى السلام. ويُقال إنّه بذلك إنما يتقصّد أن يحقّق ما كان يُراد من مؤتمر أنابولس الذي جمع العرب و”الإسرائيليين” على مائدة اجتِرار الكلام عن السلام المنشود بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين” مدخلاً لسلام شامل في المنطقة.
يفتتح الرئيس العظيم جولته بزيارة “إسرائيل”، فيؤكّد أنّها الوطن اليهودي، متبنياً بذلك مطلباً مُعلناً من رئيس الحكومة “الإسرائيلية” من دون الالتِفات إلى الردّ الفلسطيني الذي يُعبّر عن توجّس ممّا تنطوي عليه هذه التسمية من إنكار لوجود بقيّة من العرب داخل الأرض الفلسطينية التي اقتطعتها “إسرائيل”، ويشكل هؤلاء لا أقل من عشرين في المائة من مجموع سكان ما يسمّى “إسرائيل”. فهل المقصود طردهم من ديارهم، على غرار ما وقع في عام النكبة، إذ اقتلع معظم العرب من أرضهم وديارهم وشُرّدوا خارج بلادهم حيث يعيشون اليوم في الملاجئ يفتقرون إلى أبسط حقوق الإنسان في العيش الكريم؟ ثم ماذا يعني الوطن اليهودي؟ ألا يستبطن أن اليهودية عنصر وليست مجرد دِين؟ هل ديمقراطية الدولة العظمى، أمريكا، تتبنّى العنصرية في تكوين الأمم وإقامة الأوطان؟ هل ترضى أمريكا بأن تكون هي وطناً عنصرياً؟
في زيارته “إسرائيل”، يخصّها الرئيس الأمريكي بمعاملة الطفل المدلّل، مُتناسِياً أن السلطة العنصرية نسفت أي ثمرة لمؤتمر أنابولس لما يسمّى سلاماً إذ سارعت، مباشرة بعد المؤتمر، إلى إعلان عزمها على التوسّع في عمليات الاستيطان اليهودي حول مدينة القدس العربية وداخلها، وكذلك في مناطق من الضفّة الغربية، ويُغفل الرئيس الأمريكي كذلك أن السلطة العنصرية ما زالت تحتلّ الضفة الغربية وتنفّذ عمليات اجتياح لها بين الفينَة والأخرى، وتقيم الحواجز داخلها وعلى أطرافها على نحو يشلّ الحياة فيها ويقطع خطوط التواصل بين أهلها ويعطّل النشاط الاقتصادي فيها. لا بل يتناسى أيضاً أن السلطة العنصرية أخلت قطاع غزّة تحت ضغط المقاومة الفلسطينية الباسلة ولكنّها شدّت خناق الحصار عليها من كل جانب فحرمت أهل المدينة المكتظّة بالسكان من لقمة العيش والدواء وحرية الحركة في أضيق حدودها، وهي لا تتوانى عن قصفها والإغارة عليها، فيسقط الضحايا بين الآمنين من أهلها بِلا حساب يومياً. وليس من يحتجّ أو يستنكِر أو يردع.
عجباً كيف أن الرئيس بوش لم يتنبّه إلى كل ذلك، فلم ياتِ عن ذكره بكلمة فيما هو يجول برفقة مُجرِم، ينتحِل صِفة رئيس الوزراء، على المعالم الأثرية والدينية ويمتدح الحرية والديمقراطية في كيان عنصري غاصب.
أي سلام هو ذاك الذي يسعى إليه رئيس الدولة العظمى في الاشهر الأخيرة من عهده الميمون الذي يغصّ بالمآسي الإنسانية المفتعلة في أفغانستان والعراق ولبنان.. وفلسطين. إنّه يتظاهر زوراً بالسعي إلى السلام في فلسطين، فهل نَسيَ ما سببه من قتل وإبادة بين الآمنين البرياء، وخراب ودمار في الممتلكات والمرافق، وفِرقة قاتِلة بين أبناء الشعب الواحد في العراق؟ الديمقراطية تقوم على المساءلة والمحاسبة. فمن يُسائل الرئيس العظيم أو يُحاسبه على ما اقترف من جرائم في حقّ الحضارة والإنسانية في بلد شقيق، مُتذرّعاً بما ثبت، بشهادة قوّاته بعد الاحتلال، أنّه باطِل. لقد شنّ حرباً غاشمة على العراق فدمّرها وفتتها تحت ذريعة أن العراق يمتلِك أسلحة دمار شامل وأنه يقيم علاقات مع تنظيم القاعدة. وسرعان ما أعلنت قوات الاحتلال نفسها أن شيئاً من ذلك لم يكن. فإذا بآلة الدعاية الأمريكية تتحول إلى التبشير بأن الحرب المدمّرة ما كانت إلاّ لنشر الحرية والديمقراطية في بلد يرزح تحت نظام استبدادي. فمتى كانت الحرية أو الديمقراطية تأتي نِتاجاً للاحتلال؟
وقد أعطانا الرئيس العظيم أنموذجاً عن التِزامه الحرية والديمقراطية في فلسطين، إذ جرت انتخابات حرّة ونزيهة، بشهادة العالم أجمع، وفازت حركة مقاومة تسمّيها “إسرائيل”، ومعها بالطبع الدولة العظمى، حركة إرهابية، فإذا بالدولة العظمى وربيبتها “إسرائيل” تحاصران السلطة الفائزة ديمقراطياً، وتحاصران شعبها حتى التجويع، فإذا بفلسطين مسرح لمآسٍ إنسانية لا حصر لها.
انه لا غلو في القول إن جولة الرئيس الأمريكي مكتوب لها الفشل سلفاً، ولن تحقّق الهدف المُعلن لها وهو تنشيط عملية السلام بين الفلسطينيين و”إسرائيل”، والرئيس الأمريكي هو الذي أحبط مهمّته في سوء تقديره وانحِيازه السافِر للعدو الصهيوني والنظر على قضية المنطقة من مِنظار “إسرائيلي” فاضِح.
Tuesday, January 15, 2008
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment