Friday, February 1, 2008

دمعتا ........... الحكيم




عندما قصدنا الراحل جورج حبش يوماً في مكتبه في دمشق ونحن نجهز لفيلم تلفزيوني عن الشهيد غسان كنفاني، كان الرجل قد استقال من موقعه كزعيم لفصيل فلسطيني مؤثر في الساحة الفلسطينية، ربما في سابقة لم تعهدها

القيادات الفلسطينية على اختلاف الطيف السياسي الفلسطيني الذي يتحكم بمسارات أعمالها السياسية والتنظيمية. حبش لم يستقل يومها إلا من الأمانة العامة، فمن مثله لا يعرف الاستراحة، ولكنه أراد أن يؤكد توجهاً جديداً في الساحة الفلسطينية لم يألفه العمل السياسي الفلسطيني


الحكيم الذي قصدناه يومها لنعد الفيلم لم يبخل كعادة الكبار بدمعة على الشهيد قائلاً: «عندما استشهد غسان أخذ

نصفي معه، وها هو نصفي الثاني أمامكم فخذوه»
هذه هي أشد اللحظات الدرامية التي عرفناها عن قرب في جورج حبش. اللحظات التي تنبني عليها الأفلام. فها هنا يتغلب الشاعر على السياسي في أكثر اللحظات ومضاً ان جاز التعبير، وهذه لم تكن تحدث من قبل في الحياة الفلسطينية المعاصرة - ســـياسياً على الأقل - ، بعكس الصورة التي طالعتنا بها معظم الفضائيات العربيـــة وهـــي تعلن نبأ رحيله


فقد كانت هذه اللحظة تحتل الخبر الثاني أو الثالث بصرف النظر عن ذلك الشريط الأحمر الذي أعلن وفاته كخبر عاجل، وكأن الرجل يفتقد الى الدراما المطلوبة وهو يختصر في حياته جزءاً كبيراً من تراجيديا الشعب الفلسطيني نفسه.
بدت الأخبار المتقطعة وكأنها تكشف بعض اللحظات الصعبة التي تعيشها هذه الفضائيات، بل هي تكـــشف حــجم المأزق. فالفضائيات لا تتوانى في بعض الملمات المازحة عن اعداد بعض الريبورتاجات المؤثرة عن حياة بعض زوجات رؤساء الدول وهن يقمن بزيارات إلى منطقتنا


ربما لا يعود في وسعنا أن نطالب هذه الفضائيات بالتوقف أمام حياة الرجل بالطريقة التي يرغب فيها بعضنا، إذ لها سياساتها وتوجهاتها، وهذا شأنها في المحصلة النهائية، ناهيك بأن معظمها منها لم يستطع أن يمدنا بشيء يتناسب مع مكانته. ربما بسبب رحيله المفاجئ، خصوصاً أن الدكتور جورج حبش حرص في العقد الأخير من حياته على ألا يظهر أمام عدسات التلفزيون.
هذا «النقص» في التغطية يظل في بعض نواحيه مرتبطاً بـ «الحكيم» نفسه الذي أبى أن تصور حياته في فيلم كامل عنه يقول فيه سيرته منذ ولد في اللد الفلسطينية، حتى اللحظات الأخيرة التي سبقت رحيله
ربما لم يذرف جورج حبش دمعة إلا على غسان كنفاني يوم استشهاده، وبالتأكيد يوم رفضت الفنانة اللبنانية نضال الأشقر أن تناديه بالحكيم قائلة: «لا أستطيع أن أناديك بالحكيم، لأن هناك كثراً يحملون اللقب ذاته


أنت جورج حبش». يومها اغرورقت عيناه بدمعة أخرى... دمعة واحدة وأخيرة ربما لا تصلح نهاية للفيلم المطلوب


فجر يعقوب الحياة - 8 0/1 0 /02.

No comments: