أنيس الصايغ
لا شك في أن نكبة الخامس عشر من أيار (مايو) 1948 هي، بكل المقاييس والمعاني والأبعاد، من أقسى ما حلّ بالأمة العربية (ومن ضمنها الشعب الفلسطيني) في تاريخها الحديث من ضربات موجعة تهز الكيان وتهز الجسم وتهدد الإمكانات. لكن تداعيات ما بعد النكبة، وآثارها وانعكاساتها وإفرازاتها وملحقاتها، على امتداد الستين سنة الماضية، إنما هي أقسى من النكبة الأولى، وأعمق أذى وأشمل خطورة وأشد فتكاً بالوجود والمصير العربيين.خطورة تلك النكبة وخطرها أنها ما زالت مستمرة، وأنها تتجدد في كل يوم وتمتد وتتصاعد بصور وأشكال مختلفة، وكلاً منها أفظع من النكبة الأساس. وتحمل كل صيغة من صيغ النكبة المتواصلة والمتجددة المزيد من السلبيات، كأن ما حصل في 1948 كان مجرد تمرين أوّلي لما سيحصل بعد ذلك
في 1948 حاربت سبعة جيوش عربية، بتسليحها وتدريبها واستعدادها الضعيف والمحدود، العدو شهرين كاملين، وضمّت أكثر من نصف الأرض الفلسطينية. وبعد عشرين سنة انهزمت جيوش العرب أمام العدو في أيام خمسة (وبعضها انهزم في ساعات)، وسقطت الأرض الفلسطينية كلها، ومعها أراضٍ عربية مجاورة. وبعدما أجمعت القوى العربية كلها (حكومات وشعوباً) على ضرورة الصمود والمجابهة والمقاطعة السياسية والاقتصادية والإعلامية والدولية، الرسمية والشعبية، أصبح اليوم معظم الأنظمة يتسابق إلى عقد الاتصالات وإقامة العلاقات العلنية والسرية، مع العدو الذي نزعت عن كيانه صفة العدو المغتصب والمحتل، وأصبح الاعتراف بهذا الكيان يشمل غالبية الدول العربية، بينما تخجل دول أخرى من إعلان ذلك من دون أن تمتنع عن ممارسته عملياً وسرياً. وأصبحت صيغة «الممانعة» أقصى ما تصل إليه أدبياتنا السياسية المعاصرة في قاموس المواقف الرسمية لبعض الدول ـــــ علماً بأن عدد الممانعين هو أقل من عدد أصابع اليد الواحدة من بين اثنين وعشرين قطراً عربياً يرى كلٌّ منها نفسه مستقلاً وصاحب سيادة وحامياً لمصالح الأمة القومية والوطنية! وأصبح السلاح العربي المتطور الذي يكلّف الشعوب مليارات الدولارات سنوياً (يذهب نصفها عمولات ورشاوى)، رهين المستودعات والحظائر، وإذا جُهّز للاستعمال، فإنما لحماية الأنظمة من شعوبها أو لتهديد جار يناصب «إسرائيل» العداء أو لإخضاع المقاومة التي تنبري للتصدي للعدو ولتخويفها والحد من قدراتها الدفاعية عن الوطن
لمزيد انقر على العنوان
No comments:
Post a Comment