Tuesday, October 6, 2009

قرار مجحف لقيادة فاشلة


د. فوزي الأسمر


القرار الذي إتخذه الممثل الفلسطيني في جنيف , بتأجيل التصويت على تقرير " ريتشارد غولدستون " حتى شهر آذار القادم هو قرار ظالم بحق كل المشاعر الإنسانية , وبحق الذين ذبحتهم ألة الحرب( الإسرائيلية) في قطاع غزة ووصمة عار على جبين السلطة الفلسطينية والقيادة الفلسطينية التي أصدرت هذا الأمر

كما أن قرار السلطة الفلسطينية سحب طلبها , بأن تقوم لجنة حقوق الإنسان المنبثقة عن الأمم المتحدة بتبني هذا التقرير , يثير العديد من علامات السؤال بالنسبة للسلطة الفلسطينية , وهل حقيقة تمثل تطلعات وتمنيات الفلسطينيين في الأراضي المحتلة , وهل يمكن أن تؤتمن للوصول إلى حل لمدينة القدس على سبيل المثال . بل يثير هذا القرار تساؤلا كنا نتمنى أن لا نسأله , عما إذا كان هذا الموقف من جانب السلطة الفلسطينية , يتماشى مع ما قاله وزير الخارجية( الإسرائيلي) أفيغدور ليبرمان , والذي تناقلته الصحف( الإسرائيلية) : لا يحق للسلطة الفلسطينية تبني مثل هذا التقرير وهي التي طلبت منا أن لا نوقف حرب حتى ألقضاء على حركة حماس

فبالإضافة إلى كل ذلك , فإن هذا التأجيل يمثل إنتصارا ساحقا لبنيامين نتنياهو ولإهود باراك , و أفيغدور ليبرمان , بغض النظر عن أية تبريرات تقدمها القيادة الفلسطينية , بما في ذلك القول أن هذا التأجيل جاء بناءا على مطلب من "الصديق الأمريكي أوباما " . فقد قامت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بالإتصال مع محمود عباس وطلبت منه : أن يسحب الطلب الفلسطيني , فباراك أوباما يريد أن يبعد عن أمريكا حالة مشابه إذا ما جرى تقصي حقائق جرائم الحرب التي أرتكبها الجيش الأمريكي في العراق , ولا يزال يرتكبها في أفغنستان , نزولا لأوامر قيادته العسكرية . وبالتالي لا يهم أمريكا صراخ الضحايا الأبرياء من الشعب الفلسطيني في غزة وغيرها من مدن القطاع

ولآول مرة يُحدث تقرير بهذا المستوى ضجة عالمية , ويسقط القناع عن وجه إسرائيل القبيح أمام العالم كله , ويشرف عليه شخص صهيوني لا يمكن إتهامه بـالمعادات للسامية . وكان هناك إستعداد لدى معظم الدول ومؤسسات حقوق الإنسان العالمية تبني هذا التقرير . ولكن التدخل الفلسطيني منع ذلك . وقال ممثل فرنسا في لجنة حقوق الإنسان في جنيف للصحافيين :" لا أستطيع أن أكون فلسطينيا أكثر من الفلسطينيين " . فهذه صفعة قوية على وجه كل قيادي فلسطيني شارك في إتخاذ هذا القرار . ف(إسرائيل) مرتاحة من هذا الموقف الفلسطيني , وقد عبرت صحيفة هآرتص عن ذلك في مقال مطول لها عنوانه :" تقريرغولدستون إنتصار لنشاطات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو , ويقول المقال أنه منذ صدور هذا التقرير وحتى فكرة مناقشة نتائجه في الأمم المتحدة : قامت( إسرائيل )بحملة دبلوماسية كان هدفها دفن توصيات غولدستون , وإيقاف المبادرة لمحاكمة إسرائيل في الخارج

وتقول الصحيفة بصراحة أن التهديدات (الإسرائيلية) للسلطة الفلسطينية قد نجحت :" لقد وصل تحرك نتنياهو إلى التهديد بأن إسرائيل ستوقف المسيرة السياسية إذا لم تسحب السلطة الفلسطينية توجهها بهذا التقرير لمجلس حقوق الإنسان . وقال نتنياهو أن إسرائيل لن تستطيع السير في المسيرة السياسية إذا سحب منها حق الدفاع عن نفسها نتيجة هذا التقرير " .وليس غريبا أن لا نسمع ردا أو تعقيبا أو نفيا لذلك من السلطة الفلسطينية . ولهذا السبب , هب الشعب الفلسطيني بكل شرائحه في الأراضي المحتلة وخارجها مطالبا السلطة الفلسطينية بالتراجع عن موقفها . بما في ذلك " اللجنة المركزية لحركة فتح " التي أصدرت بيانا تدين هذا الموقف وتطالب بالتراجع عنه . ولم يشفع الموقف الذي إتخذه محمود عباس بتعيين لجنة تحقيق لمعرفة كيف إتخذ هذا القرار . وهذا التحرك بحد ذاته جريمة أقبح من ذنب . فمثل هذا القرار يسخر من القدرة العقلية للشعب الفلسطيني , هذا الشعب الذي فسر مطلب عباس بأن رئيس السلطة الفلسطينية غير مسيطر على مجرى الأمور . فلو كان الأمر غير ذلك , لسارع عباس بإلقاء خطاب أو إصدار بيان , يعلن فيه على الملآ أن هذه الأمور جرت بدون معرفته , ويدينها ويطالب بالتراجع عنها . ولكن هذا لم يحدث .أليس سكان قطاع غزة جزء من الشعب الفلسطيني ؟ فكيف يمكن منع تقرير أدان المذابح التي وقعت في حرب غزة , من عدو الشعب الفلسطيني كله , وبإعتراف عدد من

الجنود( الإسرائيليين) الذين شاركوا في هذه الحرب , من شق طريقه إلى أعلى المحافل الدولية , وإدانة هذه الجريمة النكراء ؟ والأدهى من ذلك , أن بعض " العقلاء " من الفلسطينيين , أو ما يطلقون على أنفسهم كنية " الواقعيين " أو " الليبراليين " , يعتقدون أن تحرك السلطة الفلسطينية هذا جاء ليساعد السير قدما بالمسيرة السلمية . هل حقيقة لا زال هناك من يعتقد أن إسرائيل بعد أكثر من أربعين سنة على إحتلالها للأراضي الفلسطينية وإقامة المستعمرات اليهودية عليها , وتمارس كل أنواع القتل والدمار , تريد أن تصل إلى سلام بمحض إرادتها ؟

فإذا كانت هناك إستراتيجية لهؤلاء " العقلاء والواقعيين و الليبراليين " فليعرضوها على الشعب الفلسطيني , ويقنعوه بوجهة نظرهم . وعدم تحركهم في هذا الإتجاه , يؤكد أن ليس لدى هذه المجموعة أية حجة مقنعة سوى تقديم التنازل تلو التازل على أمل أن يحصلوا على شيء ما . فالسلام مع (إسرائيل )لن يأتي طالما ، الضعف العربي السياسي والدبلوماسي والإستراتيجي والعسكري مسيطر . فمنذ حرب ١٩٧٣ لم تحرز( إسرائيل) إنتصارا عسكريا واحدا , بل شهدت هذه الفترة تحطيم خط يبارليف وعبور قنال السويس بالقوة , وشهدت حرب لبنان الأولى عام ١٩٨٢ , وشهدت هزيمة الجيش الإسرائيلي في حرب ٢٠٠٦ , شهدت فشل( إسرائيل) في تحقيق أهدافها في حرب غزة عام ٢٠٠٩ . ولكننا لا نستيطع أن نشير إلى إنتصار دبلوماسي واحد حققته المجموعة العربية , أدى إلى

تراجع (إسرائيل) عن مواقفها , كما حدث في هذه الحروب . ولا نستطيع أن نشير إلى إستراتيجية عربية أدت إلى حمل (إسرائيل) على تنفيذ القرارات الدولية والإتفاقيات التي وقعتها . وأخيرا نرى الهزيمة الدبلوماسية الفلسطينية تتجسم في التنكر لأفضل تقرير دولي يدين إسرائيل وله مقومات الحياة والتفيذ

فمثل هذه التخاذل العربي لا يمكن أن يصل بنا إلى أي شاطئ , وستبقى سفينتتا العربية في عرض البحر تلاطمها الأمواج

No comments: