Saturday, November 28, 2009

مر بسلام


ساطع نور الدين
هي أقرب الى المعجزة، أن يلتقي نحو ثلاثة ملايين عربي ومسلم في وقت واحد وفي مكان محدد، من دون أن يتضاربوا أو يتشاتموا أو يتدافعوا، ومن دون أن يتحول لقاؤهم الى كارثة أو على الأقل الى فضيحة
طوال الأسابيع القليلة التي شهدت التحضير لذلك الملتقى الحاشد، الأضخم من نوعه في العالم كله، كانت الأعصاب مشدودة الى الحد الأقصى، وكانت الأنظار متجهة الى ذلك المكان لمراقبة أداء الملايين الثلاثة، ولتلقي الأرقام الأولى من الضحايا وجنسياتهم التي تتوزع على كل بقعة من العالمين العربي والإسلامي تشهد حرباً حدودية أو أهلية أو فتنة مذهبية أو حتى منافسة كروية. لم تهدأ الشائعات التي تزعم أن البعثة الإيرانية تحمل تعمليات واضحة بانتهاز المناسبة لاستئناف عملية تصدير الثورة، التي لا يريد كثيرون من العرب أن يلاحظوا أنه لم يعد لها أساس متين في داخل إيران نفسها، كما تلتزم توجيهات محددة باستعجال ولادة الهلال الشيعي المنتظر واستكمال المشروع الامبراطوري المفترض، الذي لا يود كثيرون من العرب ايضا أن يتنبهوا الى أنه انكفأ الى الداخل الإيراني حيث تخوض المؤسسة الأمنية والدينية ما تسميه «حربا ناعمة وخفية»مع الأعداء الذين ليسوا سوى شريحة واسعة من أبناء الشعب الإيراني، تعترض على قمع الحريات وخلل الاقتصاد وسوء إدارة المفاوضات مع الغرب حول الملف النووي
ولم تتجنب الشائعات الترويج لخروج حوثي من حدود اليمن مدعوم من إيران نفسها، التي رفعت مؤخرا الدعم عن مواطنيها، يهدف الى التأثير على ذلك التجمع السنوي الحاشد، بناء على شعارات خرقاء يرفعها الحوثيون مثل الموت لأميركا وإسرائيل واللعنة على اليهود.. بدلا من أن يعيدوا مشكلتهم الى أصلها وعنوانها اليمني، ويؤكدوا أنه ليس لها وجود أو حل إلا في صنعاء بالتحديد، لا في الرياض ولا في مكة، التي لم تصل اليها أصداء المعارك في صعدة، وغلبت عليها الهتافات والنداءات الموجهة الى السماء
بلغت الشائعات حد التكهن في أن كل بعثة مشاركة في ذلك الحشد الهائل هي عبارة عن فرقة عسكرية تنتظر تلقي الأوامر من عواصمها أو من مراجعها لكي تبدأ الاشتباك مع خصومها في العرق أو الوطن أو المذهب أو حتى الانتماء الكروي، ولكي تستغل المناسبة لاستكمال معاركها المتصاعدة، ولانتزاع المكاسب التي يوفرها مثل هذا اللقاء العفوي المجرد إلا من ثياب الاحرام.. والذي لا يمكن أن يكون فرصة لتصفية حسابات عراقية وسورية أو مصرية وجزائرية أو لبنانية أو فلسطينية، أو طبعا باكستانية وأفغانية
بعكس تلك الشائعات والمخاوف، بدت المناسبة بمثابة استراحة محاربين عرب ومسلمين، ذهبوا الى مكة في إجازة أو في رحلة دينية تفرض الاحترام للحرم وللمضيف، وتعلق عمليات سفك الدماء بضعة أيام أو أسابيع الى حين العودة الى الأوطان الأصلية، التي تستطيع أن تنتظر أبناءها لكي يكملوا أمجادهم الفاضحة، ويلحقوا المزيد من العار بالأمة كلها سواء في مقاومتهم أو في ممانعتهم أو في اعتدالهم. اليوم عيد فعلي، لأن الحج مر بسلام


السفير

No comments: