Sunday, July 18, 2010

موت سعيد أبي النحس المتشائل

زكريا محمد
يوشك المرء أن يصل إلى الاستنتاج التالي: الانفجار الفلسطيني المقبل سيكون في فلسطين ٤٨
كل المؤشرات تدل على ذلك: الجرأة التي تسيطر الآن على الحركة الوطنية هناك، القوانين العنصرية في الكنيست التي تريد أن تحتوي هذه الجرأة، وأن تعيد الوضع إلى ما كان عليه قبل عقدين من الزمان، الاشتباكات التي تشمل كل شيء: الأرض، هدم المنازل، التضامن مع غزة، القدس، التعليم... إلخ
كل شيء يلتهب، وينذر بالانفجار
والجميع يحس بالتوتر، ويرى الغيوم تتجمع
لكن حلف حكومة نتنياهو يظن أنه عبر رزمة من القوانين يمكن ردع فلسطينيي ٤٨. لا يدركون أن كل قانون من هذه القوانين يقرب لحظة الانفجار، ويسقط أغنية الاندماج والتعايش. لا يدركون أن إخراج عزمي بشارة وحنين زعبي ورائد صلاح وغيرهم من إطار القانون وصفة مثلى لإنهاء هذه الأغنية

إزاحة حنين زعبي لن تعيد سعيد أبي النحس المتشائل إلى الحياة. انتهى زمن المتشائل. لا يمكن إزاحة زعبي ووضع المتشائل في مكانها في الكنيست. كان المتشائل لحظة من لحظات التوازن. هذه اللحظة انتهت في يوم الأرض في سخنين عام ١٩٧٦. المتشائل مات منذ ذلك اليوم. والقوانين المذكورة لن تعيده من جديد على الحياة. وهي فقط ستساهم في تعجيل الانفجار، وتوليد الزمن الجديد. لن يعود المتشائل إلى أم الفحم والناصرة. لن تجدوه هناك. يمكنكم أن تعثروا على أشباه له في رام الله، لكن ليس إلى زمن طويل. فحتى في رام الله ذاتها يوشك زمن المتشائل على النهاية

وهناك في الواقع من يحس بما يجري، مثل وزير الدفاع السابق، واليميني، موشي آرنس. فبحسبه فإن دمج العرب في الداخل
بالمجتمع (الإسرائيلي) هي المشكلة الأكبر التي تواجهها (إسرائيل). ويضيف (إذا لم ندمج العرب ستحصل كارثة) (عرب ٤٨). لكن ما يجري الآن ليس دمجهم، وإنما إخراجهم من دائرة القانون. وكلما جرى دفعهم إلى خارج هذه الدائرة، ازداد اقتراب الانفجار

والانفجار القادم لن يكون كما كان انفجار أكتوبر عام ٢٠٠٠. كان انفجار أكتوبر عام ٢٠٠٠، للتضامن مع انتفاضة الضفة الغربية الثانية. الانفجار القادم لن يكون تضامنيا، بل سيكون تأسيسيا، تطرح فيه القضايا من جذورها. فقد تحول فلسطينيو ٤٨ إلى حملة القضية الآن، على رأس رمحها. وهم يصيرون بالتدريج قادتها. دليل ذلك موقعهم في معركة الحفاظ على القدس، وموقعهم في معركة فك الحصار عن غزة. الحجر الذي رماه بناءوا أسلوا صار حجر الزاوية. صار حجر الركن

قيادة الضفة للحركة الوطنية الفلسطينية انتهت. فيها سلطة، لكن ليس فيها قيادة. وغزة مع حماس لا تستطيع أن تقود. من أجل هذا صار فلسطينيو ٤٨ هم القيادة

ولا يمكن فصل هذا الوضع المستجد عن نهاية فكرة (الدولة الفلسطينية)، أي حل الدولتين. انتهى زمن هذا الحل. انتهى زمن هذا الوهم. حاوله عرفات. حفر ووصل حتى الصخر، واكتشف الوهم. ومع نهاية فكرة بدأت القضية الفلسطينية تستعيد تماسكها. ما حطمه أوسلو إلى شظايا يعود ليلتحم ببعضه، ويعيد بناء نفسه: ثمة شعب واحد، تحل قضاياه معا، وفي صفقة واحدة. لا يمكن حل قضية الضفة، ورمي قضية اللاجئين. لا يمكن التعرض للضفة وغزة ورمي فلسطينيي ٤٨
لا مفر من ذلك. انهيار فكرة الدولة، وانهيار أوسلو، ستعيدنا بالضرورة إلى الجذور. الجديد أن هذه العودة تبدأ من مناطق ٤٨ بشكل خاص، ومن الشتات، بشكل أقل. أي تبدأ من المناطق التي رماها أوسلو، ورمتها فكرة الدولة- الوهم

الانفجار القادم سيكون تأسيسيا. أي أنه سوف يعيد تخليق الحركة الفلسطينية من جديد. سوف يدفن ربما إلى الأبد الفكرة- الوهم عن دولة في الضفة والقطاع تأتي عن طريق المفاوضات. أي فكرة تبديل حق عودة الشتات، وحق فلسطيني ٤٨، بدولة على الضفة وغزة. سيعيد الأمور إلى نقطة: دولة واحدة يعود إليها من أراد من اللاجئين. دولة واحدة فقط

ولو قدر لسعيد أبي النحس المتشائل أن يسمع بما يجري لذهل، وقال: "أحقا يتجرأون على فعل ذلك؟ أنتم تكذبون علي. أيمكن للشيخ رائد صلاح ولحنين زعبي أن يفعلا ذلك؟ هذا غير معقول!". فزمنه كان غير هذا الزمن

No comments: