Sunday, January 22, 2012

صمود تكتب في ذكرى مرور عشر سنوات على اختطاف والدها ألقائد ألفذ ألكبير أحمد سعدات

تتزاحم الأفكار والمشاعر عندما أبدأ بالكتابة عنك،، أأكتب بحرقة مشاعري واشتياقي لعودتك إلى بيتنا الدافئ الذي ينتظرك بفارغ الصبر، أم أكتب بغضب مشاعري وسخطها على من كان سبب في اعتقالك ،، هي كثيرة وغريبة ولكنها حتماً مستذكرة مشهداً لن تنساه ذاكرتي ولا ذاكرة أحد من عائلتي يوم 15/1/2002 عشية اعتقال والدي على أيدي الأجهزة الأمنية الفلسطينية تاريخ يستحضر شريط كامل من ذكريات ومشاهد لا تنسى ممزوجة بمشاعر القهر والخذلان ،، يوم قام بحصارك عدد لا يوصف من جنودنا الأشاوس وكانوا مستبسلين في عزمهم على اعتقالك وكأنك شخص تهدد أمن سلطتهم الوهمية وليس لأنك وسام شرف لكل فلسطين ، أم أنك أجرمت بحق قضيتنا وليس وهبت عمرك وسنين حياتك فداءاً للقضية ،، كانوا متناثرين وهم على أهبة الاستعداد ينفذوا أمر مسؤولهم الذي أعطى القرار "أريدكم أن تعتقلوا سعدات" ، تنفيذاً لقرار الاحتلال بضرورة اعتقال سعدات ورفاقه والتهمة كانت " مناضل فلسطيني "، صدقاً وقتها تشوهت الصورة لدي ، فعندما كان يداهم جنود الاحتلال منزلنا في ليالي البرد والصيف والربيع ونفيق على أصوات بنادقهم ولباسهم العسكري وكيف كانوا يأتون إلينا باحثين عن أبي وعندما لا يجدوه بالبيت كنت أرى الغيظ في عيونهم، على صغر المشهد إلا أنني كنت أشعر بكل فخر أن أبي إنسان مناضل، أما باعتقاله من قبل الأجهزة الفلسطينية لم أشعر إلا بشعور الخذلان منكم لأنني طوال الوقت كانت صورة الجندي الفلسطيني هي صورة المناضل الثوري الذي سيعيد لنا حريتنا وأمننا ولكن تمزقت تلك الصورة..... وسألت نفسي لماذا يعتقلوا أبي ؟؟؟ حماية له وهم لا يستطيعون حماية أنفسهم وشعبهم ،، أم لأنه يعيق التقدم في مسيرة السلام بين السلطة والاحتلال وأنا أعرف تماماً أن لا رهان على الاحتلال وانتم تهرولون إليهم بأغلى شيء على الإنسان الفلسطيني وهي ما تربينا عليه منذ صغرنا مقاومة المحتل، أم أنكم فعلاُ صدقتم أن هذه دولتكم العالية لا أنها سلطة وهمية أعطيت لكم لتنسوا حدود فلسطين التاريخية.
اعتقلوه ولكن أعلنوا أنهم يحموه وبدئنا رحلة عذاب من نوع آخر ،، وهذه المرة مذاقها فلسطيني خاص، منذ صغرنا أنا وأخوتي اعتدنا على مشهد مكرر يوم زيارة أبي في سجون الاحتلال ، سجن النقب، سجن مجدو ، وسجون عديدة زرناها وعرفناها ، كنا نفيق من نومنا فجراً ونتوجه إلى مكان تجمع الباصات لنبدأ بالرحلة عنوانها "زيارة أبي" وكنا نتعرض لكل التنكيلات التي ينكل بها السجان عائلات الأسرى ، وأتذكر كيف كنا أنا وأخوتي من خلال الشبك ذات الثقوب الصغير نمد أصابعنا لنلامس إصبع أبي أو نضع فمنا حتى نقبل أبي وكانت تغمرنا سعادة رغم صعوبة وقساوة الموقف، أما عندما زرناه في المرة الأولى بعد ترحيله إلى سجن أريحا وبعد خروجه سالماً من حصار المقاطعة نتيجة اتفاق لعين وقع خلسة عنه وعن رفاقه مقابل فك الحصار عن المقاطعة وكأننا ننتظر رحمة السماء من قيادة طوال وقتها توقع هنا أو هناك ولا تحصل مما تطلبه سوى الذل ، شعرت باختناق وصعوبة الموقف لأول مرة سأرى أبي بعد فترة صعبة ولكن هذه المرة يختلف السجان، دخلنا باب السجن وبدأت بروتوكلات الزيارة سجلنا أسمائنا على دفتر السجن ، وتوجهنا للتفتيش، وبعدها إلى غرفة صغيرة لنرى وجه أبي الشاحب والمرهق والذي تبدو عليه علامات العتب على ما حصل معه، هذه المرة لم يفصلنا شبك ولا أي شيء واستطعنا احتضانه ورؤيته وجهاً لوجه ولكن مذاق متعب، يومها كنت أتمنى أن نعود معاً كلنا إلى البيت ولكن عندما انتهينا من الزيارة خرجنا جميعا ما عدا أبي ورفاقه ،، وبقينا على هذا الحال أربعة سنوات من رحلة المذاق الفلسطيني.
وبعدها حصل ما كنا نتوقعه الفاجعة الأكبر، اقتحام سجن أريحا من قبل الاحتلال، كان أبي دائما يرددها أمامنا لا تشعروا بالأمان نحن اليوم هنا وترونا هنا وغداً يمكن أن تأتوا ولا تجدونا إنها مسألة وقت لا أكثر ولا أقل، وفعلا كان أبي دائم الطلب إلى من يسمو أنفسهم بالقيادة الفلسطينية " أخرجونا من هنا، ونحن قادرين على حماية أنفسنا ، وكنا نحمي أنفسنا من قبل وطوال فترة نضالنا" ولكن لا حياة لمن تنادي ، أو أنهم سمعوا الطلب وألقوه في جوارير مكاتبهم المليئة بالمطالب التي لا قرار بأيدهم على تلبيتها ، ومر هذا اليوم طويلا لأننا كنا نخشى أن يستشهد أبي بين الفينة والأخرى وخرج أبي ورفاقه منتصرين رافعين رؤوسهم بعد أن تحطمت جدران السجن عليهم على عكس من خرجوا رافعين أيديهم مستسلمين ، وتنهد قلبي بجوارحه لقد خرج حياً ، وعاد إلى حيث كان طوال سنوات نضاله عاد ليجابه المحتل وجهاً لوجه ، ليقاوم كل أدوات قمعه وقبع أكثر من شهر صامداً في زنازين تحقيق المسكوبية وخرج منتصراً بإرادته الحرة على طاقم المحققين كالعادة هذا هو أبي ، الذي ما كان يوماً إلا نداً للاحتلال ومنطقه وما حفل الأربعين لتأبين القائد أبا علي إلا محطة تتعلم منها كل القيادات وأشباهها روح المسؤولية والقيادة والمواجهة مع الاحتلال، وبعدها انتقل ليعلن موقفاً شرف به كل الحركة الأسيرة يوم رفض الوقوف أمام محكمة الاحتلال العسكرية وقال أنها محكمة غير شرعية في كل مرة كنت أذهب إلى محكمة أخرج وكأنني أعانق السماء من شعور القوة الذي يمنحني إياه من موقفه الصلب ، المبدئي، وعليه حكم حكماً لأنه رفض المحكمة 30 عاماً ......
وفي كل مرة يثبت هذا الرجل ثوريته ،، ليخلق من زنزانته المظلمة معركةً يقاتل بها كل يوم سطرها بأروع الصور ، وبأرقى أداوت النضال الإنسانية ، وخرج منتصراً ورافعاً رأسه من معركته الأخيرة ،، فقد أضرب 23 يوماً عن الطعام خاضها هو ورفاقه مطالبين بحقهم بالحياة الكريمة والإنسانية،، وفعلاُ يكون هذا الرجل أبي ...
عشر سنوات بدأت باعتقاله على أ يد فلسطينية ،،، وانتهت باعتقاله على أيد صهيونية،،، وما زلت يا أبي شمساً تضيء سماء فلسطين

No comments: