Monday, January 23, 2012

خواطر في الذكرى الرابعة لرحيل الحكيم


غازي الصوراني

في تموز عام 2000 عقد المؤتمر الوطني السادس، حيث شهدت الساحة الفلسطينية متغيرات نوعية سياسية هابطة بدأت منذ مؤتمر مدريد ومفاوضات واشنطن وصولاً إلى إعلان المبادئ في أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية في تموز 1994 ، وتواصلت مع المفاوضات العبثية بين القيادة المتنفذة في م.ت.ف من ناحية وحكومات العدو الإسرائيلي من ناحية ثانية. في هذا المؤتمر، ألقى الرفيق جورج حبش، خطابه الخاص والاستثنائي الذي أعلن فيه تسليم دفة القيادة التنظيمية لرفاقه في المؤتمر، " دون أن يعني ذلك بأي حال من الأحوال الابتعاد عن الجبهة التي أعطيتها عمري ، أو عن العمل السياسي والمهمات النضالية الأشمل وطنياً وقومياً". وفي هذا الخطاب الوداعي طالب الحكيم رفاقه أن يستذكروا الخط السياسي الذي سارت على أساسه الجبهة ، وأعطاها كل هذا التميز، خاصة وان الساحة الفلسطينية والعربية- كما قال الحكيم - فيها "خندقان واضحان لمن يريد أن يرى ذلك : خندق أمريكا، أي خندق الإمبريالية والصهيونية و(إسرائيل)، ويؤسفني هنا القول أن القيادة الرسمية لـ م.ت.ف قد انضمّت لهذا الخندق بعد اتفاق أوسلو، يقابل ذلك ، الخندق الاخر الذي يعبر عن مصالح أهداف الجماهير الفلسطينية والعربية، خندق الصمود والمقاومة، خندق قوى الثورة التي تواصل طريق الحرية والاستقلال لتحقيق أهدافنا العادلة. الخندق الذي يعرف حقيقة (إسرائيل) والصهيونية وحقه في النضال المستمر حتى دحر الصهيونية بالكامل، الخندق الذي يؤمن بأن الدولة وتقرير المصير والعودة أهداف مرحلية وليس نهاية المطاف أو الصراع، وبالتالي فإنه يواصل النضال لتحقيق الدولة الديمقراطية العلمانية، الخندق الذي تؤمن قواه السياسية والاجتماعية بضرورة أن تكون هذه الدولة العلمانية جزء من مشروع إقامة المجتمع العربي الجديد، الخندق الذي يقدم حلاً إنسانياً وديمقراطياً للمسألة اليهودية". واختتم الحكيم خطابه أمام المؤتمر السادس قائلاً : "يتعين علينا تحديد موقف سياسي صحيح وصريح حول القيادة اليمينية يقوم على قاعدة الابتعاد عن التذيل لها أو السماح لها باحتواء الموقف الآخر تحت أية ذرائع. مع استبقاء الباب مفتوحاً لأية تقاطعات ميدانية ونضالات مشتركة يجري توظيفها فعلاً بما يخدم المشروع التحرري بعيداً عن المسار التسووي ونهج السلطة وتكتيكاتها." بعد المؤتمر السادس ، تفرغ رفيقنا المؤسس الراحل للعمل من أجل إقامة نواة جبهة قومية واسعة تواجه المشروع الأمريكي الصهيوني، وقام بتأسيس مركز الغد العربي للدراسات ، إلى جانب توثيق وتسجيل تجربة حركة القوميين العرب وتجربة الجبهة الشعبية وتجربته الشخصية حتى لحظة رحيله عنا من المكان دون ان يغيب عن عقول وقلوب رفاقه واحبته في الزمان . واليوم ... ونحن نستذكره بالحديث أو الكتابة ، فإننا لا نعترض على حتمية الموت الذي غيبه عنا ، لكن إقرارنا بتلك الحتمية لا يعني أبداً أن القائد .. المفكر.. الثائر... الحكيم جورج حبش قد مات ، فالثوريين لا يموتون أبدا..فهو القائد الذي ستتذكره الأجيال القادمة بأنه عاش ومات ثوريا مثَّل بالممارسة فكرا وطنيا وقوميا وأممياً ثائرا، وسطر على صفحات تاريخ فلسطين والأمة العربية مجداً ثورياً عبر اندماجه الواعي بحاضر ومستقبل أمته الذي استطاع أن ينسج من خلالها مع كل رفيقة ورفيق في الحركة او في الجبهة، علاقة تجلت فيها أجمل وأصدق القيم الثورية والإنسانية التي اختلطت على المستوى الذاتي بأروع وأسمى معاني الأب القائد الحاني، المسئول والحامل لكل المشاعر الدافئة التي لم يجد معها كل من التقى به من رفيقاته ورفاقه عند مخاطبتهم له سوى الوالد الرفيق الحكيم، وقد كان وسيظل بالفعل أباً ورفيقاً وحكيماً ملهماً ليس لرفاقه الذين عرفوه فحسب، بل لرفاقه الكادحين من شابات وشباب شعبنا وأمتنا الذين سيسهمون في تجديد وبناء الحركة الشعبية الثورية العربية من أجل تحقيق أفكار ومبادئ الحكيم الذي سيظل حياً بيننا، بريادته ونضاله وفكره، فهو فكر يجسد الانتماء للجماهير الشعبية الكادحة من العمال والفلاحين وكل الفقراء والمضطهدين والمستضعفين ... هذه الجماهير التي عاش ومات الحكيم مناضلاً من أجلها وملتحماً في مساماتها، فهي عنده صاحبة المصلحة الأولى في التحرر والتقدم، وهي أيضاً روح المشروع القومي الديمقراطي العربي المستقبلي وأداته الثورية الوحيدة، لذلك كله، سيظل الحكيم ساكناً في قلوبنا وعقولنا لأن أفكاره وممارساته طوال حياته حملت الكثير الكثير من المصداقية والالتزام لزماننا ولمستقبلنا، مستلهمين شعار الحكيم "لا يمكن ان يكون هناك ثورة دون نظرية ثورية، تركز على الفكر السياسي والرؤية الواضحة للعدو ولقوى الثورة وللواقع الاجتماعي بكل تفاصيله، انطلاقاً من الوعي والالتزام بضرورة الربط المتبادل بين النضال الوطني الفلسطيني والنضال القومي العربي، كوحدة وعلاقة جدلية واحدة" . من هنا فان اهمية استعادة وتفعيل هذه الرؤية الموضوعية التي صاغها الراحل جورج حبش مستلهماً كلمات "لينين" بأن المسالة الأهم هي بناء التنظيم الثوري وحماية مواقفه الثورية ، عبر الرهان الدائم على القوى الصاعدة ، أي الكادرات الشبابية وحشود الجماهير الفقيرة وكل الكادحين في المخيمات والقرى والمدن، ما يعني بالضرورة التخلص من كل مظاهر الترهل المكتبي ، البيروقراطي ، وصولاً إلى هيئات قيادية جماعية وثورية وديمقراطية ، "فالحزب الثوري هو قيادته أولاً " . في الذكرى الرابعة لغياب المفكر و القائد الثوري ، نستذكر السمة الرئيسة التي كانت بمثابة كلمة السر في تفسير شكل وجوهر مسيرته الكفاحية ، ونعني بذلك أخلاقه بالمعنى الإنساني والثوري التي طالما حرص على الالتزام بها مفتاحا في كل مسيرته . وفي هذه الذكرى نؤكد على أن فرضية أن يكون الإنسان أخلاقيا في مبادئه مهما كانت منطلقات تلك المبادئ ، ليست فرضية مثالية كما يدعي البعض ، فالأخلاق أولا هي التي تحدد مجرى وسلوك السياسي عموما والمناضل من اجل الحرية والعدالة والديمقراطية خصوصا ، وهنا يمكن بسهولة تفسير هذا الالتفاف المشفوع بكل معاني الاحترام والتقدير والحب للقائد الحكيم جورج حبش من كل من عايشه ليس من رفاقه وأصدقاءه فحسب بل من كل الذين لم يتعرفوا عليه في المكان لكنهم عرفوه في الزمان عبر مواقفه وكلماته أو ما قرأوه أو سمعوه عنه ، ذلك أن الحكيم جسد في كل محطات حياته مع العائلة والرفاق والأصدقاء اصدق وأجمل معاني الأخلاق الإنسانية التي لا يمكن بدونها أن يكون الإنسان –أي إنسان- وطنيا أو ثوريا صادقا . إننا نعتقد أن الوفاء الحقيقي لهذا الغائب الحاضر ، لا يتجلى فحسب عبر الاحتفال بذكراه السنوية ، بل أيضاً والاهم لابد أن يتجلى في الإخلاص الحقيقي ، العقلاني ، الجدلي ، لمبادئه وأفكاره الثورية التي اكتسبت لديه مضامين أبعد من معانيها ومظاهرها المتعارف عليها، لأنها مبادئ وأفكار ارتبطت بالأيدلوجية الثورية، الماركسية ومنهجها العلمي الجدلي، بمثل ارتباطها بصيرورة حركة التحرر القومي الديمقراطي والتقدم الاجتماعي والاشتراكية، وهو ترابط جسّد التزام الحكيم الدائم بالجماهير الشعبية الفقيرة في فلسطين وكل أرجاء الوطن العربي باعتبارها صاحبة المصلحة الوحيدة في هذا الصراع ضد التحالف الامبريالي الأمريكي الصهيوني الرجعي، وفي الدفاع الحقيقي عن أهداف جماهير الانتفاضات الثورية العربية من اجل استكمال مسيرة الثورة الوطنية الديمقراطية بافاقها الاشتراكية . ذلك هو المسار الذي حدده القائد الراحل لنفسه ولرفاقه في الجبهة مجسداً بذلك دور المثقف الثوري الذي استطاع أن يضرب لنا مثلاً رائعاً في إقامة العلاقة الجدلية الصحيحة بين المعرفة أو النظرية وبين الفعل والنضال الكفاحي والسياسي، إنها الوحدة بين النظرية والممارسة طريقاً وضمانة وحيدة صوب تحقيق المستقبل المنشود....المجد والخلود للقائد الثوري الراحل جورج حبش ...المجد والخلود لشهداء أمتنا العربية وشعبنا الفلسطيني وجبهتنا الشعبية ...وحتما اننا لمنتصرون
 

No comments: