Monday, April 19, 2010

قيم النهوض العربي وآلياتة

معن بشور

مداخلة ألقيت خلال الدورة الحادية والعشرين للمؤتمر القومي العربي في بيروت خلال جلسة مناقشة المشروع النهضوي العربي وسبل
تجسيده


"للمشروع العربي النهضوي" الذي أطلقه مركز دراسات الوحدة العربية في ذكرى الوحدة المصرية – السورية في ٢٢/٢/٢٠١٠وأعدته مجموعة من المفكرين والباحثين والمهمومين لمستقبل الأمة ينتمون إلى تياراتها الكبرى، ميزة هامة أنه قدم نفسه "كمشروع" قابل للنقاش والتطوير لا كنص مقدس لا يقبل تعديلاً أو تبديلاً، وهو أمر دفعت ثمنه حركاتنا السياسية الكثير لأنها تعاملت مع نصوص أعدها مفكروها أو قادتها وكأنها نصوص غير قابلة للمس أو النقاش
ومن ميزات المشروع أيضاً أنه نقل الجدل الفكري والسياسي ومعه الحراك الشعبي من مرحلة "الشعار" بتبسيطه المخلّ أحياناً إلى مرحلة "المشروع" الجامع الأقدر على استيعاب تعقيدات الواقع وتحليلها ومعالجتها من قدره كلمة جميلة بسيطة جذابة ويختصرها شعار، بل أنزل الأيديولوجيات بشموليتها وكليتها، من عليائها إلى أرض البرامج الواقعية التي يمكن أن يتلاقى حولها عقائديون من منابت متعددة ويعملون معاً في ظلها وتتحول خياراتهم الأيديولوجية إلى مصدر إثراء وتنوع لهذه البرامج وتمكنها من الإحاطة بكل مشكلات حياتنا، وبالتالي من الوصول إلى أوسع شرائح مجتمعنا
ولتجسيد هذا المشروع في الواقع شروط وآليات وأساليب متعددة كشف عنها النص المعلن لهذا المشروع، لكن ينبغي الوقوف عند بعض القضايا في هذا الصدد
أولاً: لا بد أن تصاحب الدعوة إلى المشروع جهود فكرية وسياسية لتحديد المعوقات الداخلية والخارجية التي تعيق تجسيد المشروع وسبل مواجهتها انطلاقاً من إدراكنا للتلازم العميق بين الاحتلال الخارجي والاختلال الداخلي في الحيلولة دون نهوض الأمة
وبالأهمية ذاتها ينبغي تحديد القوى الاجتماعية والسياسية صاحبة المصلحة في هذا المشروع والقادرة على حمله والنضال في سبيله، وبالتالي تحديد وسائل الوصول إليها وتعبئتها
ثانياً : إعطاء المقاومة، كخيار ونهج وثقافة، الموقع المحوري في آليات تجسيد المشروع باعتبارها بأشكالها المتعددة، وفي المقدمة منها المقاومة المسلحة، الأقدر على مواجهة القوى المناهضة والمعيقة للمشروع من جهة، والأقدر على تعبئة طاقات الأمة وتوجيهها الوجهة الصحيحة ضد أعدائها وأعداء نهضتها
والمقاومة هنا هي فكرة بالدرجة الأولى، وهي مبدأ بقدر ما هي وسيلة، أي أنها رفض جذري للواقع الفاسد بكل وجوهه، ورفض كل أشكال المساومة والتسوية معه
ثالثاً : إن المشروع النهضوي العربي دعوة للنهوض تنطوي على تحليل معمّق للواقع، وتحديد واضح للأهداف، وبالتالي ينبغي أن يكون لها دعاة، لاسيّما بين الشباب، ينبغي تثقيفهم وتدريبهم في ما يمكن تسميته "بمعهد النهوض العربي" الذي يمكن أن يتحوّل أيضاً، كتجربة مخيمات الشباب القومي العربي، إلى إطار للتواصل والتفاعل بين شباب الأمة من كل الأقطار والتيارات والمشارب
رابعاً : إن للمشروع النهضوي العربي مجموعة أهداف حددها، وهي الوحدة العربية، والديمقراطية، والاستقلال الوطني والقومي، والتنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية، والتجدد الحضاري، وحدد تلازمها فيما بينها، ورفض التفريط بأحد هذه الأهداف لصالح هدف آخر، ودعا إلى النضال من أجل تحقيقها
ولكن لا بد من تحديد معايير لمدى تقدم الأمة على طريق مشروعها النهضوي، ورصد جوانب التقدم في مسيرة النهوض أو التعثر فيها، وهذا يتطلب إنشاء "مرصد للنهوض العربي" يتابع حركة المجتمع العربي في كل المجالات ويحدد مدى اقترابها أو ابتعادها عن أهداف المشروع النهضوي، ويقدم كل عام تقريراً بهذا المعنى عن "حال الأمة"، كما جرت العادة في الدورات الأولى للمؤتمر القومي العربي دون أن يغفل بالطبع قضايا خاصة أو ساخنة يرصد لها فصولاً خاصة، إن مثل هذا التقرير يمكن أن تستفيد منها القوى الحيّة في الأمة في برامجها النضالية والعملية واليومية
خامساً : إن لنهضة الأمم قيماً وآليات لا يمكن تجاهلها أو القفز فوقها، وهي قيم واليات ثقافية تنموية تربوية عملية في آن
أول هذه القيم والآليات "التواصل" أي التواصل بين الأقطار والأفكار والأجيال بكل ما يعنيه التواصل من إحياء لروابط وتجديد لأواصر وتبادل لخبرات وتفاعل بين تجارب، بل تواصل بين الأمة والعالم من حولها لأن نهوض الأمم كان، وسيبقى، ثمرة التفاعل بين حضاراتها وثقافاتها وأديانها، وهو تفاعل لا طريق له إلا عبر التواصل
وثاني القيم والآليات التكامل، أي التكامل بين الأفكار والأجيال والأقطار، كما بين التجارب والخبرات والقدرات، حيث لا إقصاء أو استئثار أو احتكار، بل منظومة تستفيد من كل الطاقات، ولا تضع جهداً بوجه جهد، ولا تياراً بوجه تيار، ولا قطر بوجه قطر
أما ثالث القيم والآليات التي ينبغي ترسيخها في ثقافة مجتمعنا وتربية أبنائنا، فهي قيمة التراكم، فلا يتصرف الواحد منا، كما نرى في الكثير من أنظمتنا ومنظماتنا ومؤسساتنا، وكأن الكون يبدأ منه وينتهي فيه، بل ندرك جميعاً أن ما وصلنا إليه اليوم من سلبيات أو إيجابيات هو ثمرة تراكم، فتردي الأوضاع الحالية هو نتاج تراكم من سلبيات عصفت بماضينا، كما أن الإيجابيات المضيئة في حياتنا هي أيضاً وليدة تراكم إيجابيات بذلنا في سبيلها الغالي والنفيس. والتراكم هنا لا يحصن الأفراد أو الجماعات من الغرور القاتل والعنجهية والاستعلاء المدمر فحسب، بل أن التراكم هنا يوفّر علينا الطاقات ويسرّع الخطى ويجنب الأخطاء، فلا طريق أسرع من طريق الاستفادة من خبرات سابقة والاستفادة منها، ولا وسيلة أفعل لإبقائنا أسرى دورات مقفلة من تجاهل خبرات من سبقنا

No comments: